image

دار الأوبرا السلطانية مسقط.. عشر سنوات من الإبداع الفني والاشعاع الحضاري

24/1/2022

المصدر-جريدة الشبيبة



دار الأوبرا السلطانية مسقط.. عشر سنوات من الإبداع الفني والاشعاع الحضاري

 

أتذكر حينما كنت أمر ما بين منطقتي القرم والصاروج، وأرى منطقة الفضاء الشاسعة بالقرب من وزارة الخارجية، كما أتذكر عندما بنيت مجموعة البنايات الراقية بجوارها "بريق الشاطئ" وكانت بالنسبة لنا بداية متميزة حيث كانت تلك البنايات في حينها شكل متميز ومجمع سكني راق.. كما أتذكر أيضا حينما سمعت وسمعنا جميعا بأن هناك مشروع لإنشاء دار الأوبرا السلطانية مسقط وكيف كان وقع ذلك على مسامع البعض، فهناك من كان يرى أنه شيء عظيم أن يصبح دار أوبرا في السلطنة، وآخرون ربما يرون أنه غير مقبول، وهناك من ينظر له وكأنه أمر غريب وهكذا، ولكن ولأن هناك تفكير حكيم وإدراك لدور وأهمية الثقافة والفنون في التنوير ورقي الأمم، كونها جسر بين الحضارات، فلم يدم هذا التساؤل كثيرا، ولذا ففترة قصيرة في حينها ووجدنا أن هناك واقع فعلي وبالفعل تم البدء في إنشاء هذه الدار في عام 2001 بأمر من المغفور له بأذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه- وانطلقت مرحلة البناء والمعمار وبدأت تظهر بعض المباني أي نستطيع أن نقول بعض المعالم لهذا الصرح الثقافي الكبير المنتظر..





 في حينها كان حلمي أن أدخل هذا المكان وأصور داخله، فرغم أنني في حينها كنت أعمل بجريدة أسبوعية (الأسبوع) إلا أنني أردت في حينها أن يكون لي السبق وأن أكون أول صحفي يدخل هذا المبنى حتى و إن كان في مرحلة البناء، وأيقوم بالتصوير من الداخل وقد كان لي ذلك بالفعل فقد تواصلت في حينها مع عدد من المسئولين ممع أعرفهم ولهم علاقة بهذا الإنشاء والعمل ولم أوفق في الحصول على موافقة التصوير حتى علمت بأن هناك مسؤولة (إيمان الهنداوي)، وبالفعل تواصلت ونسقت معها وقمت بالزيارة والتصوير ونشرت أول موضوع صحفي وكان على غلاف جريدة "الأسبوع" وتضمن الكثير من التفاصيل عن هذه الدار ومبانيها والمراحل المتوقعة للإنشاء وصور لما تم إنجازه حتى ذلك الوقت، واستمرت مسيرة بناءها، و بعدهاعلمت بأن هناك برنامج فني مسبق قبل افتتاح الدار، وهو ما تم فعليا حيث أقيم موسم فني شامل "أصداء موسيقية " وتضمن كل الفنون التي تحرص الدار على تقديمها من أوبرا وباليه وأوركسترا وحفلات عربية وغيرها، وكأنه "بروفة " تحضيرية لما ستقدمه الدار، وتابعت معظم حفلات هذا الموسم وأتذكر في حينها أنه ضم تنوع ثري فقدم من خلاله أوبرا "كالنيكا" لمسرح موسكو، وأوركسترا براغ لموسيقى الصالة، وحفل للفلامنكو والجاز، وحفلات عربية لأمال ماهر، وعزف على العود للمبدع نصير شمة، وأوركسترا الأوبرا المصرية بقيادة نادر عباسي وقدمت فرقة عايدة جوميز للرقص عرض "كارمن" كما قدم عرض "حريق الأناضول" وغيرهم ، و أرى أنه كان موسم موفق، وقد حضرت تقريبا معظم حفلاته كما غالبية حفلات المواسم اللاحقة حتى الآن.





عقول حكيمة نيرة متفتحة



لقد كان وراء إنشاء هذا الصرح الفني الرائع عقول حكيمة نيرة متفتحة تحب الثقافة وتعشق الفنون وتهيم بالأدب، فقد كان المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- تواق للاهتمام بالفنون والثقافة والآداب والتصوير وغيرها ونال المشروع اهتمام شخصي منه "رحمة الله عليه" فجاء المبنى متسما بأكبر قدر من الإبهار المعماري. ولذا لم يكن بمستغرب أبدا أن نجد أن أول أوركسترا سيمفونية في دول مجلس التعاون الخليجي العربي هي في سلطنة عمان وهي الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية "روسو"، وليس بمستغرب أن نجد أن أول فرقة موسيقية في الخليج هي فرقة موسيقى شرطة عمان السلطانية التي تأسست في عام 1972م، وأن أول فرق عسكرية خليجية وبمستوى عالمي في سلطنة عمان ومنها: فرقة موسيقى الحرس السلطاني العماني، الفرقة الاستعراضية العسكرية للطبول، فرقة موسيقى الجيش السلطاني العماني، فرقة موسيقى سلاح الجو السلطاني العماني، فرقة موسيقى البحرية السلطانية العمانية، و فرقة موسيقى الخيالة السلطانية وجميعها بمستوى عالمي في السلطنة.





العقل الحكيم المفكر



وكان دائما حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله و رعاه - العقل الحكيم المفكر لنشر الثقافة والفكر والآداب والفنون، وليس بخفي على أحد الدور الذي قام ويقوم به دائما به في التثقيف والتنوير، والاهتمام بالثقافة والفنون والآداب، وكذلك بالتراث العماني من خلال الاهتمام بالقلاع والحصون، وبالإبداع من خلال ما أولاه جلالته -حفظه الله- للشباب العماني والمشاريع الإبداعية والكتابة والتأليف، فتبني سلاسل النشر للشباب العماني فبدلا من أن كان ينشر عدد يعد على أصابع اليد الواحدة من المطبوعات سنويا، أصبحنا نرى هناك العشرات بل والمئات من الكتب والمؤلفات التي تكتبها وتؤلفها عقول عمانية مفكرة ومبدعة فتثري العالم بالثقافة والفكر.. ولن أنسى الحوار الذي أجريته مع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله و رعاه – في عام 2009 وقت أن كان وزيرا للتراث والثقافة، فقد كانت رؤية جلالته الحكيمة والسباقة في التركيز على بناء العقول والاهتمام بالثقافة والفنون، وأهمية الشراكة ما بين القطاعين الحكومي والخاص وقد أكد جلالته – حفظه الله ورعاه – وفي حينها على أهمية تعاون وتكاتف دور القطاع الخاص مع الحكومي في دعم الثقافة والفنون قائلا: "إننا نعطي الفرصة للقطاع الخاص في القيام بذلك ودعم الثقافة والفنون طالما وجدنا أنه قادر على ذلك، كما وأكد على وجود ذلك فعليا، وربط في حينها بين الحدث الذي كان يرعاه وهو افتتاح معرض "التصوير الضوئي "بيت أبي" قائلا : "إن ما نراه اليوم دلالة على ذلك، فنحن في افتتاح معرض فني يقام بشراكة من القطاع الخاص حيث تنظمه مؤسسة بيت الزبير و بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني، وهذا يحدث مع كثير من الأحداث الثقافية والفنية، غير أن جلالته -أبقاه الله- أكد على نقطة جد مهمة قائلا: " ولكن في ذات الوقت ليس معنى أن نعطي دور للقطاع الخاص في هذا المجال أن نتركه له، ولكن يتكاتف ويتعاون الجميع ويعملون جنبا إلى جنب لأجل هذه الوطن المعطاء عمان، فكل يجود بما يملك، ونحن كوزارة للتراث والثقافة - في حينها- والمؤسسات الثقافية التابعة لنا نقوم بدورنا في التثقيف والتنوير ونشر المعرفة وما يتطلبه ذلك من طباعة ونشر وإقامة للمعارض والمنتديات والأحداث الثقافية والفنية، والقطاع الخاص يشارك في دعم ذلك، وهكذا تكون الصورة المثلى لهذه الشراكة .





تطور الإنشاء واكتمال الدار



وعودة إلى دار الأوبرا السلطانية وتطور إنشاءها، تم اكتمال بناء الدار وكان افتتاحها في في الثاني عشر من أكتوبر من عام 2011 حدثا عالميا وبحق، حيث حظيت بافتتاح من المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه-، وبحضور صاحب السمو السيد فهد بن محمود وأعضاء مجلس إدارة الدار التي استمرت في تقديم مواسم فنية منقطعة النظير يشهد لها القاصي والداني بأنها الأقوى والأفضل بل والأروع عالميا، ويساعدها في ذلك العقول التي تعمل عليها سواء من أعضاء مجلس الإدارة أو ممن يتم انتقاءهم بعناية للعمل في هذا الصرح الثقافي الفني التنويري والذي يعد بحق جسرا لوصل الثقافات والحضارات حول العالم، وهنا لابد وأن نذكر الدور الذي يقوم به وشخصيا صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد من عمل دؤوب ومتابعة مستمرة شخصية.. كما وأن الاهتمام الخاص الذي أولاه صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم بن طارق آل سعيد، وزير الثقافة والرياضة والشباب أعطى زخما آخر كبير لهذه الدار ولعل زيارة سموه الأخيرة للدار يعد بمثابة تتويج مهم لمرحلة مقبلة وسيعطى بعدا مستقبليا أخر أكثر إشراقا وتثقيفا ونشرا للفنون والتنوير، كما وأن هناك آخرون كثر ترى أن لهم دور ملحوظ في أن يظل هذا الصرح منارة تشع بالفنون ومنهم: معالي محمد الزبير ومعالي نصر الكندي، وكذلك الدور المهم والحيوي للرائع والمتميز والذي يتسم بروح الشباب والحيوية و يكاد لا يغادر فعالية إلا ويحرص على حضورها صاحب السمو السيد كامل بن فهد بن محمود، وأيضا فريق كبير من العاملين بالدار من المدير العام أمبرتو فان والبروفيسور عصام الملاح، والدكتور ناصر الطائي وميشيل جمايل ورضية الزدجالي وعواطف العامري والفنان والمصور المحترف خالد البوسعيدي الذي دائما ما ترصد وتسجل عدسته جميع الفعاليات وكل هؤلاء بخلاف فريق الشباب المهم ممن بتابعون الحفلات ومنهم سليمان وصقر العامري وقيس القرني وعلى البلوشي وعبدالله وعشرات من الشباب العاملين والذين قد يصلون الليل بالنهار في بعض الأوقات لأجل خروج عملي فني بالشكل اللائق.





الافتتاح بـ " توراندوت" لزيفيريللي



واستمرت الدار في تقديم مواسم مليئة بالبهجة والسعادة، فاستضافت الفرق العالمية الشهيرة المشهود لها بالكفاءة، وشاهدنا أشهر وأفضل الأوبرات العالمية بدءا من أوبرا "توراندوت" للمصمم والمخرج الراحل فرانكو زيفيريللي الذي كان يعيش في حينها وأفتتحت الدار بهذا العمل الرائع الذي أنتج خصيصا للدار، وقد منحه المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- في العام التالي وتحديدا في 12 أكتوبر 2011 وسام التكريم كنوع من التقدير له كفنان على أعماله وما قام به من جهد في تصميم واخراج هذا العمل . ثم كانت لمسة الوفاء العماني أن تم الاحتفاء والاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة على افتتاح دار الأوبرا السلطانية مسقط بتقديم أخر عمل من أعمال زيفيريللي وهو العمل الذي كان يعمل عليه ولكن أدركه الموت ولم يكمله وأكمله تلامذته ومساعديه وهو أوبرا "ريجوليتو" المأخوذة عن إحدى روايات الأديب العالمي الراحل فوكتور هوجو وموسيقى العالمي فيردي والذي سيعرض كإنتاج جديد ولأول مرة في العالم في سلطنة عمان، في دار الأوبرا السلطانية مسقط، وليس هذا الاحتفاء فحسب بل صاحبه احتفاء آخر وهو افتتاح معرض مصاحب عن فرانكو زيفيريللي يقام خلال الفترة ما بين 16 يناير الجاري وحتى 20 مارس المقبل وترك الدخول للجمهور طوال تلك الفترة مجانا.



 



أوبرا وباليه وأوركسترا وفنانون عرب



توالت عروض الدار ما بين الأوبرات ومنها أوبرا "عايدة " لجوزيبي فيردي وأوبرا "الفرصة تصنع اللص" لجواكينو روسيني، والبالية مثل "بحيرة البجع" وباليه "سندريلا" لدار أوبرا ليون، وفرقة باليه إيجور موسييف للفرقة الروسية الأكاديمية للرقص الشعبي، و والأوركسترا السيمفونية والهارموني، وتعرفنا على كثير من تفاصيل تلك الآلة الأسطورية المهيبة التي ربما لم نكن نعرف عنها شيء من قبل وهي آلة "الأرغن" وحضرنا عرض مع وين مارشال مع الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية ..



 كما شاهدنا حرص الدار الدائم على الجودة و التنوع في العروض و لذا كانت هناك عروض للأغاني العربية والإنشاد الديني، وتنوعت العروض والفرق فعرفنا فن الفادو البرتغالي الحزين وشاهدنا وتابعنا الأفريقي (المالي) ساليف كيتا وحضرنا حفلات للفنان وعازف الايقاعات ووزير السياحة السنغالي الأسبق يوسو ندور، ولعازف الجيتار الملقب بروح البرازيل "جيلبرتو جيل"، وشاهدنا واستمعنا إلي الجاز، ومنها حفل لأفضل مطربات الجاز في العالم وهي ديان ريفز، وعزف عمر خيرت بالدار على البيانو أشهر أغنياته ومنها: قضية عمو أحمد والبنت دي قامت وفيها حاجة حلوة وموسيقي مسلسل "البخيل وأنا".. واستمعنا وشاهدنا الإنشاد الديني الرائع لسامي يوسف، كما استمعنا وشاهدنا عزف العود الرائع مع نصير شمة . والأهم بجوار كل هذا هو حرص الدار على تقديم ومشاركة الشباب العماني دائما ومنها مشاركة الفنان صلاح الزدجالي والمصري مدحت صالح في تقديم حفل رائع، ومشاركة الشباب في كثير من الأعمال الفنية والأوبرالية.





كما يمكن للمتابع لمواسم الدار أن يرى كذلك التركيز علي المناسبات الوطنية ومنها إقامة عرض الموسيقى العسكرية بمناسبة العيد الوطني، والاحتفال بمناسبة يوم المرأة العمانية وغيرها. وبجانب كل هذا أيضا الحرص علي تثقيف الأطفال بهذه الثقافة الفنية وإقامة حفلات ولقاءات البيت المفتوح والدور التعليمي والمجتمعي،والمعارض وحفلات الطلاب، وكذلك محاضرات ما قبل العروض لإعطاء الجمهور والحضور معلومات مفيدة وثرية حول العروض، وإقامة عروض "موسيقى على الغداء " بأوبرا جالا ريا للترفيه والمتعة بالجمع ما بين الفنون والطعام، وكذلك العروض المدرسية لإتاحة الفرصة لطلاب المدارس، وكان من الإضافات المميزة أيضا إضافة جلسات "القهوة والتمر" مع النجوم حيث تتيح للجمهور لقاء والتعرف عن قرب على أشهر الفنانيين من عازفين أو مطربين وراقصين عالميين للحديث عن تجاربهم المثيرة والمواقف التي تعرضوا لها.



"ويعد إنشاء الدار خطوة في تطور التصاميم المعمارية العمانية، باستثمار العمارة التقليدية العربية الإسلامية مع عناصر من عمارة الحصون والقلاع العمانية، كما تعد التجهيزات الفنية المرتبطة بالصوت والإضاءة ومنصة العروض في الدار نقلة نوعية في المجال التقني ".





هذا "وجاء افتتاح "دار الفنون الموسيقية" استكمالا لإنشاء دار الأوبرا السلطانية مسقط لتكون بمثابة ملتقى للفنون الثقافية والموسيقية من أجل التكامل مع ما تقوم به الأوبرا السلطانية بالتركيز على العروض الموسيقية المتنوعة". وهكذا نرى أن " دار الأوبرا السلطانية مسقط وهي تحتفي بالذكرى العاشرة لإنشائها أصبحت وجهة ثقافية وفنية رائدة في سلطنة عمان، وأنها استضافت منذ افتتاح أبوابها في العام 2011 قائمة من عروض الأداء المتنوعة بما فيها عروض أوبراليه وحفلات موسيقى عربية وغيرها سواء من السلطنة وخارجها، كما وتنظم الدار عروضا من إنتاجها بالشراكة مع أبرز المواهب العالمية الرائدة، واستضافت عددا من أبرز الفنانين العالميين، وتعمل على تعزيز الحركة الثقافية في المستويين الإقليمي والدولي من خلال برنامجها الذي يؤكد على بث روح التقارب بين الشعوب وتعزيز التواصل والتبادل الثقافي" .