image

نائب رئيس مجلس الدولة يفتتح أعمال "ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي".. واستعراض لفرص وتحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام

image

30/08/2024
المصدر-جريدة الرؤية

رعى اللواءُ الرُّكن مُتقاعد المكرم سالم بن مسلم قطن نائب رئيس مجلس الدولة، اليوم الخميس افتتاح أعمال الدورة الثالثة من "ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي" بعنوان "الإعلام العُماني في عصر الذكاء الاصطناعي"؛ وذلك بفندق ميلينيوم صلالة، بتنظيم من جريدة "الرؤية".

واستهل حاتم بن حمد الطائي رئيس التحرير الأمين العام، الملتقى، بتقديم بيان افتتاح أعمال الدورة الحالية؛ حيث أوضح أن المنظومة الإعلامية شهدت تطورات تكنولوجية عديدة على مدى العقود والسنوات القليلة الماضية، بدأت بإدخال تقنيات بسيطة في حقبة التسعينيات، ما لبثت أن توسّعت مع مطلع الألفية الثالثة وبزوغ عصر الطفرة التكنولوجية الذي بسقت تجليّاته في تسارعٍ مُذهلٍ وعبر صورٍ متنوعة لم يكن يتوقعها أحد، حتى وصلنا إلى حقبة الذكاء الاصطناعي. وقال الطائي إن الفكر البشري استطاع أن يُنتج منظومة تقنية ذاتية التوليد، بالاعتماد على المصادر المفتوحة وغير المفتوحة، حتى تحوّل هذا الذكاء الاصطناعي إلى عملاق تكنولوجي، وربما وحش إذا ما أُسيء استخدامه.

وأشار رئيس تحرير جريدة الرؤية إلى أن استخدامات الذكاء الاصطناعي عديدة ولا يُمكن إحصاؤها في هذه العُجالة، لكننا سنكتفي بالحديث عن دوره في تطور العمل الصحفي والإعلامي، وآليات الاستفادة منه من أجل الارتقاء بالأداء المهني الصحفي، وتعميق دور الإعلام في تنوير المجتمع وترسيخ الوعي الإيجابي بمختلف القضايا، وبناء رأي عام على دراية بحقائق الأمور، لكننا في المقابل سنتعرف أيضًا على سلبيات استخدام هذا الذكاء الاصطناعي، والكوارث التي قد يُسببها جرّاء تطوّر تقنيات بعينها وفي مقدمتها التزييف العميق.




وتابع بالقول إنَّ الحديثَ عن إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام العُمانية، يتطلب منا أولًا الوقوف على تحديات وعراقيل تطوير إعلامنا الوطني وتنفيذ عملية تحوّل رقمي شاملة، وكيفية بناء منظومة إعلامية مُستدامة تضمن توفير العائد المناسب للإنفاق على التطوير وإجراءات هذا التحوّل الرقمي؛ إذ لا يخفى على أحد أن الإعلام العُماني مرّ بجُملة من التحديات الهائلة تسببت في خروج عدد من الوسائل من المشهد الإعلامي، نتيجة لغياب المورد المالي، وضعف المردود الاقتصادي، تزامنًا مع تراجع كبير في الاشتراكات الشهرية والسنوية، وانخفاض شديد في الإعلانات التي تمثل مصدر الدخل الأول لوسائل الإعلام.

وبيّن الطائي أن الكثير من وسائل الإعلام العُماني ومن بينهم جريدة الرؤية، سعى إلى إطلاق عملية تحوُّل من الجانب التقليدي إلى الجانب الرقمي المتطوِّر، وكانت لنا في جريدة الرؤية العديد من التجارب المُلهمة والنوعية، فقد أطلقت الرؤية قبل عدة سنوات أول إذاعة رقمية متكاملة يقودها شباب عُماني مُبدع، وأطلقنا أول منصة شبابية إعلامية بمشاركة كوكبة من الشباب المُثابر، لكن للأسف آلت أوضاع هذه المبادرات إلى الأفول، لغياب المردود المادي الناتج عن عدم مواكبة المؤسسات والشركات المُعلنة والداعمة للمتغيرات والتطورات الرقمية. ومضى قائلًا: "غير أن ذلك لم يُفقدنا الأمل، وواصلنا العمل المُضني من أجل وضع بصمة جلية في مسيرة تطور الإعلام العُماني، وسعينا نحو رقمنة الكثير من الخدمات الإعلامية، وأحرزنا الكثير من التقدم في هذا الجانب؛ سواء في تقديم محتوى إعلامي رقمي يتماشى مع التطورات الإقليمية والعالمية، وإبرازه في نماذج وصيغ مختلفة، عبر الصور والتصاميم المصوّرة أو المقاطع المرئية "الفيديوهات"، بما يحقق التفاعل الرقمي المُستهدف. وواصلنا العمل في خطٍ موازٍ على إنتاج محتوى مُتقدِّم من الإعلام، مثل خدمات "الرؤية بودكاست"، وهو أحد أوائل منصات البودكاست في عُمان والخليج، الصادرة عن مؤسسة إعلامية لها حضورها الإعلامي منذ عقود.

وتطرق الطائي إلى تحدٍ آخر يُضاف إلى قائمة التحديات التي تعيق مسيرة التطور الإعلامي والدفع بالتحوُّل الرقمي نحو آفاق أرحب، ألا وهو الارتقاء بالكوادر الوطنية العاملة في هذه المهنة الحيوية والمُهمة للغاية. وهنا نعود مُجددًا إلى قضية ضعف التمويل والدعم، وربما في بعض الأحيان عدم توافر البيئة الجاذبة أو الحاضنة؛ حيث إن عملية تأهيل وتطوير مهارات الصحفيين، تستلزم تقديم تسهيلات من جهات أخرى، تُساعد هؤلاء الشباب على أداء مهامهم الصحفية والإعلامية، منها تقديم المعلومات المطلوبة في التحقيقات الصحفية، والحصول على تصريحات من المسؤولين والمعنيين، والسماح للصحفيين والمصورين بالتصوير على أرض الواقع، خاصة في المشاريع الوطنية الكبيرة. ويكفي على سبيل المثال أن نُشير إلى أن عدد كبير من المؤسسات الحكومية الكبرى والشركات العملاقة تكشف عن مشروعات واعدة للغاية وداعمة لمسيرة النمو الاقتصادي، وتعقد مؤتمرات دولية في مسقط، لكن للأسف يغيب عنها دعوة وسائل الإعلام للتغطية، وتقديم محتوى مُميَّز يُضاهي ما نراه في الدول الأخرى التي نزورها.

وشدد الطائي على أهمية تضافر الجهود المؤسسية من أجل تطوير الإعلام، فهي عملية تكاملية لن تنجح إلا بتكاتف جهود جميع الأطراف، حتى لا يشير إلينا البعض ويقول إن الإعلام العُماني لا يواكب المُتغيرات؛ بل نقول إن الإعلام العُماني يحرص على مواكبة المُتغيرات لكن جهات ومؤسسات أخرى لا تساعد على هذا التطوُّر.

وحث الطائي مختلف الجهات، حكومية وخاصة، على العمل على دعم مسيرة التحوُّل الرقمي في إعلامنا الوطني، وتدفع بكل الجهود التي تُسهم في تمكين الصحفي العُماني من أداء عمله على أكمل وجه.

وذكر الطائي إن البشرية تعيش حاليًا في خضم عالم رقمي مُتجدِّد، تتمايز فيه وسائل الإعلام بمحتواها الرقمي المُواكِب للمتغيرات والتطورات، وهو ما يفرض علينا مسؤولية كبيرة للارتقاء بالمحتوى الإعلامي الرقمي، وإحدى أدوات هذا التطور توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام، ونقصد هنا أن يكون الذكاء الاصطناعي مُعينًا للصحفي وليس بديلًا عنه، لأن الصحفي إنسان مُبدع يعتمد على تفكيره البشري، وليس مجرد آلة تكتب الأخبار والتحليلات.

وأكد رئيس تحرير جريدة الرؤية أن توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام من الممكن أن يتمثل في تحليل الأرقام والبيانات، من خلال ابتكار أدوات تحليل رقمي تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، عبر إدخال الأرقام والبيانات ومن ثم الحصول على تحليلات وتقديرات الذكاء الاصطناعي، على أن يقوم المُحرر الصحفي بمعالجتها بما يتواءم مع السياسات التحريرية والضوابط والمعايير الإعلامية المُتبعة.

وأشار إلى أنه يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المحررين في معرفة توجهات الرأي العام، من خلال إجراء مسح رقمي للمحتوى الرقمي المنشور على أيٍ من منصات التواصل الاجتماعي، وهذه ميزة متوافرة حاليًا، ويستخدمها بعض الصحفيين في معرفة بعض الكلمات المفتاحية أو الموضوعات الأكثر رواجًا وهو ما يُعرف بـ"الترند".

وتابع الطائي بالقول إن من شأن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التحرير الصحفي والعمل الإعلامي، أن يساعد في التدقيق اللغوي، وفي الوقت الحالي هناك عدد من المنصات العربية المتخصصة التي تسعى للتميز في هذا الجانب، رغم ما عليها من ملاحظات تحريرية، يمكن للصحفي والمحرر أن يُعالجوها بطريقة أكثر احترافية من الذكاء الاصطناعي.

وأشار إلى أن أبرز وأهم ميزة يمكن أن يوفرها الذكاء الاصطناعي للصحفيين في الوقت الحالي، هي مساعدتهم على تحري مصداقية الأخبار، والتأكد من صحتها، وبذلك المساهمة في محاربة الأخبار الكاذبة والمُضلِّلة.

واختتم الطائي كلمته بتقديم عبارات الشكر والتقدير إلى ضيوف الملتقى من كُتّاب جريدة الرؤية من محافظة ظفار العريقة... هذه الكوكبة من أصحاب الأقلام الرفيعة المستوى، التي تُضيف الكثير إلى رصيد الصحافة العُمانية، وتُسهم في إنعاش منظومة الفكر الوطني، بمختلف جوانبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لا سيما وأنهم يشتركون في عدة صفاتٍ وخِصالٍ، وتجمعهم الروح الوطنية العالية والحس التحليلي الناقد، والرؤية الاستشرافية الثاقبة.

وأكد الطائي أنَّ هؤلاء الكُتّاب يسهمون بدور بنّاء وفاعل في تقديم محتوى إعلامي إثرائي، يُضيف الكثير إلى الوعي الجمعي في المجتمع. ودعوني أقول إنَّ هؤلاء النخبة من الكُتّاب ينتمون إلى عدة أجيال، تتشابه في أمور وتتباين في أخرى، والتشابه الرئيس يتمثل في النهل من معينٍ معرفيٍ ثريٍ، أسهم في ترسيخ ذلك الوعي السياسي والاقتصادي والثقافي، وبناء حصيلة لغوية تُساعدهم على إبراز الأفكار وإيصالها للقارئ بأسلوب سلس وبسيط، لكنه في الوقت نفسه عميقٌ ونافذ إلى لُب القضايا المطروحة. لكن في المقابل، يبدو أننا نواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في غياب أجيال جديدة شابة من الكُتّاب الصحفيين، وربما يُعزى ذلك إلى عاملين أساسيين؛ الأول عدم تنمية الوعي السياسي والاقتصادي نتيجة لضعف الاهتمام بالاطلاع وقراءة الكُتب المتخصصة.

وقال إن العامل الثاني يتمثل في تراجع مستوى اللغة العربية ونقص في حصيلة المفردات التي تساعد الإنسان على التعبير عن أفكاره بكلمات رصينة وعميقة الدلالات.

وحث الطائي مؤسسات التعليم بشقيها الأساسي والعالي، على إيلاء مزيد من الاهتمام بمسألة التثقيف وبناء الوعي والمعرفة، وأن يُدرك الطالب نفسه في مختلف مراحل التعليم أن الثقافة ضرورة لا غنى عنها، ولا يجب عليه الاكتفاء بما يتضمنه الكتاب المدرسي أو الجامعي من محتوى؛ بل أن يوسِّع من خيارات القراءة والاطلاع بما يضمن بناء مخزون معرفي ولغوي مُتقدِّم.

وقدمت المكرمة الدكتورة عائشة بنت حمد الدرمكية عضو مكتب مجلس الدولة والأستاذ المساعد بالجامعة العربية المفتوحة، الكلمة الرئيسية لأعمال الملتقى حول "التشريعات والأخلاقيات.. مُتطلبات المواكبة المنضبطة"، وقالت إنه مُنذ أن بدأ الاهتمام بالذكاء الاصطناعي منذ العقدين الماضيين، وهو يؤثِّر في تسريع التطورات والتغييرات التنموية في المجتمعات، والتي أسهمت في تحسين كفاءة الأعمال ورفع الأداء الاقتصادي؛ حيث يُشير تقرير "حدود الذكاء الاصطنعي.. نمذجة تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد العالمي" إلى أنه من المتوقَّع أن "الذكاء الاصطناعي سيعزِّز الاقتصاد العالمي بنحو 14% بحلول عام 2030؛ أي ما يقارب 15.7 تريليون دولار أمريكي، ومن المتوقَّع أن تتبنى 70% من الشركات تقنيا الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030".

وأضافت أن ازدهار تطبيقات الذكاء الاصطناعي في العام 2022، مع دخول "شات جي بي تي" واستثمار شركة مايكروسوفت 10 مليارات دولار في الشركة الأم Open AI، ما جعل تطبيقات "شات جي بي تي" في كافة مناحي الحياة اليومية؛ الأمر عكس توقعات لنمو الإيرادات العالمية في سوق الذكاء الاصطناعي من ناحية، وزيادة خطورة تطبيقاته الواسعة خاصة على حقوق الملكية الفكرية، والإعلام، والحياة الاجتماعية والثقافية، إضافة إلى التحديات التي تواجهها المجتمعات في المجالات الأمنية ومحاربة الجريمة وغيرها.

وأوضحت الدرمكية أن العالم استفاد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي واستخدام خوارزمياته لإنشاء محتوى وسائط في شتى المجالات من خلال عمليات تحويل البيانات إلى نصوص وصور ومقاطع فيديو، خاصة في مجال الإعلام والآداب؛ فنشأت الصحافة الآلية وصحافة الروبوت، التي يسَّرت العملية الإعلامية؛ سواء من خلال إنشاء أو تحليل محتويات الوسائط المتنوعة، والبيانات واختيارها وكتابة الأخبار ونمذجة التعليقات والتحقق من البيانات والمحتويات، ولهذا فإن العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي اليوم تُمكِّن الإعلاميين من "تحليل البيانات وتحديد الأنماط والاتجاهات والرؤى والمصادر المحددة، ثم تحويل البيانات والكلمة المنطوقة إلى نص، والنص إلى تنسيق الصوت والفيديو، إضافة إلى تحقيق الحالة الذهنية، وفحص مشاهد الأشياء أو الوجوه أو النص أو اللون وغير ذلك".